التَّهْنِئَةَ بِالْعِيدِ
ذَهَبَ جُمْهُورُ
الْفُقَهَاءِ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّهْنِئَةِ بِالْعِيدِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ
.
فَقَالَ صَاحِبُ
الدُّرِّ الْمُخْتَارِ - مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - إِنَّ التَّهْنِئَةَ بِالْعِيدِ بِلَفْظِ
" يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ " لا تُنْكَرُ .
وَعَقَّبَ ابْنُ
عَابِدِينَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : إِنَّمَا قَالَ - أَيْ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ
- كَذَلِكَ لأَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ فِيهَا شَيْءٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ
، وَقَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ : بَلِ الأَشْبَهُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ
مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ ، ثُمَّ سَاقَ آثَارًا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنِ
الصَّحَابَةِ فِي فِعْلِ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ : وَالْمُتَعَامَلُ فِي الْبِلادِ الشَّامِيَّةِ
وَالْمِصْرِيَّةِ : عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ وَنَحْوُهُ ، وَقَالَ : يُمْكِنُ أَنْ
يُلْحَقَ بِذَلِكَ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالاسْتِحْبَابِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ
التَّلازُمِ ، فَإِنَّ مَنْ قُبِلَتْ طَاعَتُهُ فِي زَمَانٍ كَانَ ذَلِكَ الزَّمَانُ
عَلَيْهِ مُبَارَكًا ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ الدُّعَاءُ بِالْبَرَكَةِ فِي أُمُورٍ
شَتَّى فَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ بِهَا هُنَا أَيْضًا .
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ
فَقَدْ سُئِلَ الإِمَامُ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ لأَخِيهِ يَوْمَ الْعِيدِ
: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ يُرِيدُ الصَّوْمَ وَفِعْلَ الْخَيْرِ الصَّادِرِ
فِي رَمَضَانَ ، وَغَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَكَ فَقَالَ : مَا أَعْرِفُهُ وَلا أُنْكِرُهُ
. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : مَعْنَاهُ لا يَعْرِفُهُ سُنَّةً وَلا يُنْكِرُهُ عَلَى مَنْ
يَقُولُهُ ؛ لأَنَّهُ قَوْلٌ حَسَنٌ لأَنَّهُ دُعَاءٌ ، حَتَّى قَالَ الشَّيْخُ الشَّبِيبِيُّ
يَجِبُ الإِتْيَانُ بِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ مِنَ الْفِتَنِ وَالْمُقَاطَعَةِ
. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا قَالُوهُ فِي الْقِيَامِ لِمَنْ يَقْدَمُ عَلَيْهِ ، وَمِثْلُهُ
قَوْلُ النَّاسِ لِبَعْضِهِمْ فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ : عِيدٌ مُبَارَكٌ ، وَأَحْيَاكُمُ
اللَّهُ لأَمْثَالِهِ ، لا شَكَّ فِي جَوَازِ كُلِّ ذَلِكَ بَلْ لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ
لَمَا بَعُدَ ؛ لأَنَّ النَّاسَ مَأْمُورُونَ بِإِظْهَارِ الْمَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّةِ
لِبَعْضِهِمْ [1]
.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ
فَقَدْ نَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنِ الْقَمُولِيِّ قَوْلَهُ : لَمْ أَرَ لأَصْحَابِنَا
كَلامًا فِي التَّهْنِئَةِ بِالْعِيدِ وَالأَعْوَامِ وَالأَشْهُرِ كَمَا يَفْعَلُهُ
النَّاسُ ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنِ الْحَافِظِ الْمَقْدِسِيِّ
أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا مُخْتَلِفِينَ فِيهِ
، وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ لا سُنَّةَ فِيهِ وَلا بِدْعَةَ .
ثُمَّ قَالَ الرَّمْلِيُّ
: وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِيُّ : إِنَّهَا مَشْرُوعَةٌ ، وَاحْتَجَّ لَهُ
بِأَنَّ الْبَيْهَقِيّ عَقَدَ لِذَلِكَ بَابًا فَقَالَ : بَابُ مَا رُوِيَ فِي قَوْلِ
النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي يَوْمِ الْعِيدِ : تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك
، وَسَاقَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَخْبَارٍ وَآثَارٍ ضَعِيفَةٍ لَكِنْ مَجْمُوعُهَا يُحْتَجُّ
بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ : وَيُحْتَجُّ لِعُمُومِ التَّهْنِئَةِ لِمَا
يَحْدُثُ مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ يَنْدَفِعُ مِنْ نِقْمَةٍ بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ
وَالتَّعْزِيَةِ ، وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ
تَوْبَتِهِ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكٍ أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِقَبُولِ
تَوْبَتِهِ وَمَضَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إِلَيْهِ
طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَهَنَّأَهُ . وَكَذَلِكَ نَقَلَ الْقَلْيُوبِيُّ عَنِ
ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ التَّهْنِئَةَ بِالأَعْيَادِ.
وَالشُّهُورِ وَالأَعْوَامِ
مَنْدُوبَةٌ . قَالَ الْبَيْجُورِيُّ : وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ[2] .
وَجَاءَ فِي الْمُغْنِي
لابْنِ قُدَامَةَ : قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ
لِلرَّجُلِ يَوْمَ الْعِيدِ : تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ ، وَقَالَ حَرْبٌ
: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ قَوْلِ النَّاسِ فِي الْعِيدَيْنِ : تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا
وَمِنْكُمْ قَالَ : لا بَأْسَ بِهِ ، يَرْوِيهِ أَهْلُ الشَّامِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
، قِيلَ : وَوَاثِلَةُ بْنُ الأَسْقَعِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قِيلَ : فَلا تَكْرَهُ أَنْ
يُقَالَ هَذَا يَوْمَ الْعِيدِ ؟ قَالَ : لا .
بتصريف من : الموسوعة الفقهية الكويتية
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ
فِي تَهْنِئَةِ الْعِيدِ أَحَادِيثَ مِنْهَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ قَالَ :
كُنْتُ مَعَ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانُوا إِذَا رَجَعُوا مِنَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ : تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا.
وَمِنْك ، وَقَالَ
أَحْمَدُ : إِسْنَادُ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ جَيِّدٌ[3].