طلب المزيد من العلم
الفصل الأول : في الحثِّ على الازدياد من العلم والتبحُّر فيه
في نزول أوَّل آيةٍ في القرآن، وهي قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق/ 1] من الدَّلالات والمعاني ما لا يمكن حصرُه، ويُفهم من قوله: (اقْرَأْ) وهو فعل أمر من (قَرَأ) الأمر الجازم الحازم بالقراءة، والحث على تعلمها وتعليمها(1)، وفي هذه اللفتة غَناء عن كلام كثير في هذا الموضوع.
أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالزيادة من العلم
ثم جاءَ الأمرُ القرآني الآخر، لتأكيد القضيّة وانلحث على طلب المزيد من العلم، فقال الله -تعالى-: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه/ 114].
قال ابن القيم -رحمه الله-: ((وكفى بهذا شرفًا للعلم.، أن أمرَ نبيَّه أن يسأله المزيدَ منه))(2) اهـ.
وقال ابن كثير في ((تفسيره))(3): ((أي: زدني منك علمًا، قال ابنُ عُيينة
__________
(1) انظر: ((شواهد في الاعجاز القرآني)): (ص/ 84) للأستاذ عودة أبو عودة.
(2) ((مفتاح دار السعادة)): (1/ 223- 224).
(3) (3/ 175)، وانظر: ((روح المعاني)): (16/ 269) للآلوسي.
-رحمه الله-: ولم يزل - صلى الله عليه وسلم - في زيادة حتَّى توفَّاه الله -عز وجل-)) اهـ.
وقد قيل: ما أمرَ اللهُ رسولَه بطلبِ الزيادة في شيءٍ إلا في العلم(1).
خبر نبيِّ الله موسى - صلى الله عليه وسلم - في طلب الزيادة منه
والعالم كلما ازداد علمًا. ازداد معرفة بفضل العلم ومنزلته ومكانته، وبمقدار ما فاته منه ويفوت= فتاقَت نفسُه -حينئذٍ- إلى المزيد منه، ولو لقي في ذلك الألاقي.
ففي خبر كليم الله موسى - صلى الله عليه وسلم - الذي قصَّه القرآن الكريم في سورة الكهف الآيات (60-82)، وذكره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه كما في ((الصحيحين))(2) وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بينما موسى في ملأٍ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدًا أعلمَ منك؟ قال موسى: لا. فأوحى الله إلى موسى: بلى، عَبْدنا خَضِر(3)، فسألَ موسى السَّبيلَ إليه...)) الحديث.
قال أبو العبَّاس القرطبي(4): ((وفيه من الفقه: رِحْلة العالِمِ في طلب
__________
(1) انظر: ((الكشّاف)): (2/ 448)، و((تفسير الخازن)): (3/ 282)، و((فتح الباري)): (1/ 170)، و((محاسن التأويل)): (11/ 197).
فائدة: قال الزمخشري: ((هذه الآية متضمِّنة للتواضع لله والشكر له، عندما علم من ترتيب التعلُّم، أي: علمتني يا ربِّ لطيفةٌ في باب التعلُّم وأدبًا جميلاً ما كان عندي، فزِدني علمًا إلى علم، فإن لك في كلِّ شيءٍ حكمة وعلمًا)) اهـ. ((الكشاف)): (2/ 448)، وعنه ما بعده من التفاسير.
(2) البخاري رقم (74)، ومسلم رقم (2380) من حديث أُبي بن كعبٍ -رضي الله عنه-.
(3) بفتح أوله وكسر الثاني، أو بكسر أوله وإسكان الثاني، وجهان.
(4) ((المفْهِم)): (6/ 196)، وانظر ((مفتاح دار السعادة)): (1/ 487- 488)، ففيه =
المشوق إلى القراءة وطلب العلم (ص: 15)