الظهار
الطلاق 17_الظهار
تعريفه : الظهار مشتق من الظهر ، وهو قول الرجل لزوجته : أنت علي كظهر أمي . قال في الفتح : " وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الاعضاء ، لانه محل الركوب غالبا ، ولذلك سمي المركوب ظهرا ، فشبهت المرأة بذلك . لانها مركوب الرجل " . والظهار كان طلاقا في الجاهلية ، فأبطل الاسلام هذا الحكم ، وجعل الظهر محرما للمرأة حتى يكفر زوجها . فلو ظاهر الرجل يريد الطلاق ، كان ظهارا ، ولو طلق يريد ظهارا كان طلاقا ، فلو قال : " أنت علي كظهر أمي " ، وعنى به الطلاق لم يكن طلاقا ، وكان ظهارا لا تطلق به المرأة . قال ابن القيم : " وهذا لان الظهار كان طلاقا في الجاهلية ، فنسخ ، فلم يجز أن يعاد إلى الحكم المنسوخ ، وأيضا أن أوس بن الصامت إنما نوى به الطلاق على ما كان عليه ، وأجرى عليه حكم الظهار دون الطلاق ، وأيضا فإنه صريح في حكمه ، فلم يجز جعله كناية في الحكم الذي أبطله الله بشرعه ، وقضاء الله أحق ، وحكم الله أوجب " اه . وقد أجمع العلماء على حرمته ، فلا يجوز الاقدام عليه لقول الله تعالى : " الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم ، إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ، وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ، وإن الله لعفو غفور " ( 1 ) . وأصل ذلك ما ثبت في السنن أن أوس بن الصامت ظاهر من زوجته خولة بنت مالك بن ثعلبة ، وهي التي جادلت فيه رسول الله صلى الله عليه
( هامش ) ( 1 ) سورة المجادلة : آية 2 .
وسلم واشتكت إلى الله ، وسمع الله شكواها من فوق سبع سموات . فقالت : " يا رسول الله ؟ إن أوس بن الصامت تزوجني ، وأنا شابة مرغوب في ، فلما خلا سني ، ونثرت بطني ، جعلني كأمة عنده . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما عندي في أمرك شئ " . فقالت : " اللهم إني أشكو إليك " . وروي أنها قالت : " ان لي صبية صغارا ، ان ضمهم إليه ضاعوا . وإن ضممتهم إلي جاعوا " : فنزل القرآن . . وقالت عائشة : الحمد لله الذي وسع سمعه الاصوات ، لقد جاءت خولة بنت ثعلبة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا في كسر البيت ، يخفي علي بعض كلامها ، فأنزل الله عزوجل : " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ، والله يسمع تحاور كما ، إن الله سميع بصير " ( 1 ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليعتق رقبة . قالت : لا يجد ! قال : فيصوم شهرين متتابعين . قالت : يارسول الله إنه شيخ كبير ، ما به من صيام . قال : فليطعم ستين مسكينا . قالت : ما عنده من شئ يتصدق به . قال : سأعينه بعرق من تمر ! قالت : وأنا أعينه بعرق آخر ؟ قال : أحسنت ، فأطعمي عنه ستين مسكينا ، وارجعي إلى ابن عمك " . وفي السنن أن سلمة بن صخر البياضي ، ظاهر من امرأته مدة شهر رمضان ، تم واقعها ليلة قبل انسلاخه . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أنت بذاك يا سلمة . قال : قلت : أنا بذاك ( 2 ) يارسول الله ؟ - مرتين - وأنا صابر لامر الله ، فاحكم في بما أراك الله . قال : حرر رقبة . قلت : والذي بعثك بالحق نبيا ما أملك رقبة غيرها ، وضربت صفحة رقبتي ، قال فصم شهرين
( هامش ) ( 1 ) سورة المجادلة آية 1 . ( 2 ) أي أنت الملم بذاك والمرتكب له .
متتابعين . قلت : فهل أصبت الذي أصبت إلا في الصيام ؟ . . قال : فأطعم وسقا من تمر ستين مسكينا . قلت : : والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين ( 1 ) ، ما لنا طعام قال : فانطلق إلى صدقة بني زريق فليدفعها إليك ، فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر ، وكل أنت وعيالك بقيتها . قال : فرحت إلى قومي ، فقلت : وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ، ووجدت عند رسول الله السعة وحسن الرأي ، وقد أمر لي بصدقتكم " . هل الظهار مختص بالام ؟ ذهب الجمهور إلى أن الظهار يختص بالام ، كما ورد في القرآن ، وكما جاء في السنة . فلو قال لزوجته : أنت علي كظهر أمي كان مظاهرا ، ولو قال لها : أنت علي كظهر أختي لم يكن ذلك ظهارا . وذهب البعض ، منهم الاحناف ، والاوزاعي والثوري والشافعي في أحد قوليه ، وزيد بن علي ، إلى أنه يقاس على الام جميع المحارم ( 2 ) . فالظهار عندهم هو تشبيه الرجل زوجته في التحريم بإحدى المحرمات عليه على وجه التأييد بالنسب أو المصاهرة أو الرضاع ، إذ العلة هي التحريم المؤبد . ومن قال لامرأته : إنها أختي أو أمي على سبيل الكرامة والتوقير فإنه لا يكون مظاهرا . من يكون منه الظهار : والظهار لا يكون إلا من الزوج العاقل البالغ المسلم لزوجة قد انعقد زواجها انعقادا صحيحا نافذا .
الظهار المؤقت : الظهار المؤقت هو إذا ظاهر من امرأته إلى مدة . مثل أن يقول لها : " أنت
( هامش ) ( 1 ) أي بتنا مقفرين لا طعام لنا . ( 2 ) قال الائمة الثلاثة ، ورواية عن أحمد : إذا قالت المرأة لزوجها : أنت علي كظهر أمي . فانه لا كفارة عليها ، وقال أحمد في الرواية الاخرى - وهي أظهرهما - يجب عليها الكفارة إذا وطئها ، وهي التي اختارها الخرقي .
علي كظهر أمي إلى الليل " ثم أصابها قبل انقضاء تلك المدة . وحكمه أنه ظهار كالمطلق . قال الخطابي : واختلفوا فيه إذا بر فلم يحنث : فقال مالك وابن أبي ليل : إذا قال لامرأته : " أنت علي كظهر أمي إلى الليل " لزمته الكفارة وإن لم يقربها . وقال أكثر أهل العلم : لا شئ عليه إن لم يقربها . قال : وللشافعي في الظهار المؤقت قولان : أحدهما أنه ليس بظهار .
أثر الظهار : إذا ظاهر الرجل من امرأته ، وصح الظهار ترتب عليه أثران : ( الاثر الاول ) حرمة إتيان الزوجة حتى يكفر كفارة الظهار ، لقول الله سبحانه : " من قبل أن يتماسا " . وكما يحرم المسيس ، فإنه يحرم كذلك مقدماته ، من التقبيل والمعانقة ونحو ذلك ، وهذا عند جمهور العلماء . وذهب بعض أهل العلم ( 1 ) إلى أن المحرم هو الوطء فقط ، لان المسيس كناية عن الجماع . ( والاثر الثاني ) وجوب الكفارة بالعود . وما هو العود ؟ ، اختلف العلماء في العود . ما هو ؟ فقال قتادة ، وسعيد بن جبير ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : " إنه إرادة المسيس لما حرم بالظهار " لانه إذا أراد فقد عاد من عزم ؟ إلى عزم الفعل ، سواء فعل أم لا . وقال الشافعي : بل هو إمساكها بعد الظهار وقتا يسع الطلاق ، ولم يطلق إذ تشبيهها بالام يقتضي إبانتها ، وإمساكها نقيضه ، فإذا أمسكها فقد عاد فيما قال ، لان العود للقول مخالفته . وقال مالك وأحمد : بل هو العزم على الوطء فقط ، وإن لم يطأ .
( هامش ) ( 1 ) هذا رأي الثوري ، وأحد قولي الشافعي .
وقال داود ، وشعبة ، وأهل الظاهر : بل إعادة لفظ الظهار . فالكفارة لا تجب عندهم إلا بالظهار المعاد ، لا المبتدأ . المسيس قبل التكفير : إذا مس الرجل زوجته قبل التكفير فإن ذلك يحرم ، كما تقدم بيانه ، والكفارة لا تسقط ولا تتضاعف ، بل تبقى كما هي ، كفارة واحدة . قال الصلت بن دينار : سألت عشرة من الفقهاء عن المظاهر يجامع قبل أن يكفر ؟ فقالوا : كفارة واحدة . ما هي الكفارة : والكفارة هي : عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع ، فإطعام ستين مسكينا . لقول الله سبحانه : " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ، ذلكم توعظون به ، والله بما تعملون خبير . فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ( 1 ) " . وقد روعي في كفارة الظهار التشديد ، محافظة على العلاقة الزوجية ، ومنعا من ظلم المرأة . فإن الرجل إذا رأى أن الكفارة يثقل عليه الوفاء بها ، احترم العلاقة الزوجية ، وامتنع عن ظلم زوجته .
من كتاب فقه السنه
الشيخ سيد سابق