الحسين بن منصور الحلاج رحمه الله تعالى يقول: ومن لاحظ الأعمال حجب عن المعمول له، ومن لاحظ المعمول له حجب عن رؤية الأعمال
ومنهم أبو مغيث الحسين بن
منصور الحلاج
رحمه الله تعالى
وهو من أهل
بيضاء فارس، ونشأ بواسط العراق. صحب الجنيد، والنوري، وعمرو بن عثمان المكي
والفوطي، وغيرهم رحمهم الله أجمعين، والمشايخ في أمره مختلفون رده أكثر المشايخ،
ونفوه، وأبوا أن يكون له قدم في التصوف، وقبله بعضهم منهم أبو العباس بن عطاء،
ومحمد بن حنيف، وأبو القاسم النصراباذي، وأثنوا عليه، وصححوا حاله، وحكوا عنه
كلامه.
وجعلوه أحد
المحققين حتى كان محمد بن حنيف يقول: الحسين بن منصور عالم رباني.
قتل رحمه الله تعالى ببغداد بباب
الطاق يوم الثلاثاء لست بقين من ذي القعدة سنة تسع، وثلاثمائة. قلت: ورأيت في تاريخ
ابن خلكان ما نصه قتل الحسين الحلاج، ولم يثبت عليه ما يوجب القتل رضي الله عنه، وقد
أشار القشيري إلى تزكيته حيث ذكر عقيدته مع عقائد أهل السنة أول الكتاب فتحاً لباب
حسن الظن به ثم ذكره في أواخر الرجال لأجل ما قيل فيه، وقد تقدم بسط ذلك في مقدمة الكتاب،
والله تعالى أعلم.
ومن كلامه رضي الله عنه حجبهم بالاسم
فعاشوا ولو أبرز لهم علوم القدرة لطاشوا، ولو كشف لهم عن الحقيقة لماتوا، وكان يقول:
أسماء الله من حيث الإدراك اسم، ومن حيث الحق حقيقة، وكان يقول: إذا تخلص العبد إلى
مقام المعرفة أوحى إليه بخواطره، وحرس سره أن يسبح فيه غير خاطر الحق، وعلامة العارف
أن يكون فارغاً من الدنيا والآخرة.
وسئل عن المريد فقال: هو الرامي
بأول قصده إلى الله تعالى فلا يعرج حتى يصل وسئل عن التصوف، وهو مصلوب فقال للسائل
أهونه ما ترى،
وكان يقول: ومن لاحظ الأعمال
حجب عن المعمول له، ومن لاحظ المعمول له حجب عن رؤية الأعمال،
وكان يقول: لا يجوز لمن يرى غير
الله أو يذكر غير الله أن يقول: عرفت الله الأحد الذي ظهرت منه الآحاد
وكان يقول: من أسكرته أنوار الترحيب،
حجبته عن عبارة التجريد، بل من أسكرته أنوار التجريد نطق عن حقائق التوحيد، لأن السكران
هو الذي ينطق بكل مكنون،
وكان يقول: من التمس الحق بنور الإيمان،
كان كمن طلب الشمس بنور الكواكب،
وكان يقول: ما انفصلت عنه، ولا اتصلت
به، وكان يقول: المتوكل المحق لا يأكل وفي البلد من هو: أحق منه بذلك الأكل، وسئل عن
الصوفي فقال: هو وحداني الذات لا يقبله أحد، وهو المشير عن الله تعالى، وإلى الله،
ووقف عليه رجل فقال: من الحق الذي تشيرون إليه فقال معل الأنام فلا يعل، وسئل عن حال
موسى عليه السلام في وقت الكلام فقال: بدا لموسى من الحق باد فلم يبق لموسى ثم أثر
فني موسى عن موسى، ولم يكن لموسى خبر عن موسى ثم كلم فقال المكلم هو المتكلم بحصول
موسى في حال الجمع، وفنائه عنه، ومتى كان موسى يطيق حمل الخطاب أو يأباه، ولكن بالله
قام، وبه سمع،
وكان يقول: إذا دام البلاء بالعبد
ألفه، وقال أبو العباس الرازي كان أخي خادماً للحسين بن منصور قال: فسمعته يقول لما
كان الليلة التي وعد من الغد بقتله قلت يا سيدي أوصني قال عليك بنفسك إن لم تشغلها
شغلتك فلما كان من الغد، وأخرج للقتل قال حسب الواحد إفراد الواحد له ثم خرج يتبختر
في قيده ويقول:
نديمي غير منسوب ... إلى شيء من الحيف
سقاني مثل ما يشرب ... بفعل الضيف للضيف
فلما دارت الكاسا ... ت دعا بالنطع، والسيف
كذا من يشرب الراح ... مع التنين بالصيف
ثم قال يستعجل بها الذين لا يؤمنون
بها، والذين آمنوا مشفقون منها، ويعلمون أنها الحق ثم ما نطق بعد ذلك بشيء حتى فعل
به ما فعل. قال القضاعي، وقتل في خلافة جعفر بن المعتضد، وقطعت يداه، ورجلاه أولا
ثم جز رأسه، وأحرق بالنار رحمه الله.
وقال الفناد لقيت الحلاج يوماً فأنشدني:
ولي نفس ستتلف أو سترقى ... لعمرك بي إلى أمر عظيم
وقال:
لم يبق بيني، وبين الحق إثنان ... ولا دليل بآيات، وبرهان
كان الدليل له منه إليه به ... حقاً وجدناه في علم، وفرقان
هذا وجودي، وتصريحي ومعتقدي ... هذا توحد توحيدي، وإيماني
هذا تجلي نور الحق نائرة ... قد أزهرت في تلاليها بسلطان
لا يستدل على الباري بصنعته ... وأنتم حدث ينبي عن أزماني
وكتب إلي أبي العباس بن عطاء رحمه
الله تعالى: أطال الله حياتك، وأعدمني، وفاتك على أحسن ما جرى به قدر أو نطق به خبر
مع مالك في قلبي من لواعج أسرار محبتك، وأفانين ذخائر مودتك ما لا يترجمه كتاب، ولا
يحصيه حساب، ولا يفنيه عتاب ثم كتب تحت ذلك:
كتبت، ولم أكتب إليك، وإنما ... كتبت إلى روحي بغير كتاب
وذلك أن الروح لا قرب بينها ... وبين محبيها بفصل خطاب
وكل كتاب صادر منك وارد ... إليك بلا رد الجواب جوابي
رضي الله عنه.
الطبقات الكبرى للشعراني (ص: 108، بترقيم الشاملة آليا)
الكتاب : الطبقات الكبرى
المؤلف : الشعراني
مصدر الكتاب : موقع الوراق
http://www.alwarraq.com