عداوة 3
عداوة
الشيطان للانسان
للداعية الشيخ
محمد متولي الشعراوي
الفصل الثالث
آدم والشيطان
طرد الله سبحانه وتعالى الشيطان، وأخرجه مما كان فيه.. والخروج هو مجاوزة المكان أو مغادرته.. والشيطان خرج مطرودا وملعونا ومذموما.. والله سبحانه وتعالى وعد كل من اتبع الشيطان بالعذاب في النار.
إن الله جل جلاله قد أعد فى الجنة ـ كما قلنا ـ أماكن لكل خلقه.. من خلق آدم الى قيام الساعة.. وأعد في النار أماكن لكل خلقه.. من خلق ادم الى قيام الساعة.... فلو أطاع كل الخلق لوسعهم نعيم الله في الجنة، ولو عصى كل الخلق لنالهم عذاب الله في النار.
و شاء الله أن يقوم آدم وحواء بتجربة عملية على كيفية مواجهاتهما وذريتهما وسوسة الشيطان.. وذلك حتى يكونوا محصنين منها.. ويعرفوا أن الشيطان كاذب فيما يعد.. وأن الشيطان لا يأتي منه الا الشر والضرر وزوال النعمة.
الله سبحانه وتعالى يقول:
{ وياآدم اسمن أنت وزوجك الجنة فكلا منها حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} الأعراف 19.
ومن هذه الآية الكريمة... نعرف أن آدم وحواء سكنا الجنة.. وكثير من العلماء قالوا.. إن المقصود بالجنة في الآية الكريمة هي جنة الخلد في الآخرة.. مما دفع المستشرقين وغيرهم أن يتساءلوا:
كيف يمكن أن يدخل إبليس جنة الطائعين لله ليوسوس لآدم وحواء ويغريهما بالمعصية؟!
كيف يمكن لإبليس..و هو عاص مطرود من رحمة الله.. ومحكوم عليه بالعذاب في النار.. أن يدخل جنة الخلد؟
ثم كيف يمكن لآدم وحواء.. أن يدخلا جنة الخلد ثم يخرجا منها؟.. مع أن الله سبحانه وتعالىقد كتب أن كل من يدخل الجنة يبقى خالدا فيها؟
نقول لهؤلاء جميعا.. إنكم لم تفهموا مدلول كلمة (جنة) في القرآن الكريم.. إن هناك شيئا في اللغة العربية يسمى غلبة الاستعمال.. ذلك أن اللفظ يكون له معان متعددة.. ولكنه يؤخذ عادة على معنى واحد.. إذ قاله الانسان إنصرف الذهن الى هذا المعنى بالذات.. من هنا فإننا عندما نسمع كلمة (جنة) . ينصرف ذهننا الى جنة الآخرة.. لأنها هي الجنة الحقيقية.. ولكن الله سبحانه وتعالى استخدم كلمة جنة في القرآن الكريم في معان متعددة.. الجنة في اللغة معناها الستر.. ولذلك فهي تطلق على المكان الذي فيه أشجار غزيرة متنوعة.. بحيث إذا مشى الانسان فيه.. سترته هذه الأشجار بأغصانها المتشابكة عمن هم خارج هذه الجنة فلا يرونهم.. وفي نفس الوقت.. فهو يجد فيها أسباب معيشته كاملة.. ولذلك فهو لا يحتاج الى الخروج منها.. هذا هو المعنى اللغوي للجنة.
ليست جنة الخلد
فإذا بحثنا في القرآن الكريم وجدنا أن القرآن استخدم كلمة "الجنة" في أكثر من معنى.. استخدمها بمعناها اللغوي (بمعنى الستر) وفي معناها الديني (جنة الآخرة) وفي ذلك نجد آيات كثيرة بهذين المعنيين كقول الحق سبحانه وتعالى:
{واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنّتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا} الكهف 32.
وقوله جل جلاله:
{أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات} البقرة 266.
وقوله تعالى:
{لقد كان لسبإ في مساكنهم آية جنّتان عن يمين وعن شمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور} سبأ 15.
كل هذه الآيات الكريمة.. استخدم فيها الحق سبحانه وتعالى.. كلمة "جنة" وهو يعني جنة الدنيا.
ولقد قال بعض العلماء: إن الله تبارك وتعالى.. قد فرق بين جنات الدنيا وجنات الآخرة.. فلفظ (الجنة) يطلق على جنة الآخرة وحدها.. ولفظ (جنة) من غير الألف واللام.. يطلق على جنات الدنيا.. ولكن هذا الكلام غير صحيح.. بدليل أن اقتران الألف واللام بجنة الدنيا، كما جاء في قوله تبارك وتعالى:
{ إنّا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنّها مصبحين ولا يستثنون} القلم 17 ،18.
والحديث هنا في هاتين الآيتين.. عن جنة أو حديقة من حدائق الدنيا.. إذن فالألف واللام.. لا يميزان لفظ جنة.. بحيث يصبح المعنى هو جنة الآخرة..
ولا بد أن نقف هنا قليلا.. عند بعض الأقوال التي تدعي أن آدم وحواء كانا يعيشان في جنة الخلد.. وعندما عصيا الله طردهما من الجنة.. وأنزلهما ليعيشا في شقاء على الأرض.
نقول: إن هذا الكلام غير صحيح في إطلاقه..
وذلك أن الله سبحانه وتعالى.. قبل أن يخلق آدم حدد مهمته في هذه الحياة. واقرأ قوله جل جلاله:
{ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} البقرة 30.
إذن قبل أن يتم خلق آدم.. كانت الغاية من خلقه أنه سيعيش في الأرض ويعمرها.
والنقطة الثانية هي أنه لو أن آدم قد طرد من الجنة لأنه عصى.. فما ذنبنا نحن حتى نرث المعصية ونرث الشقاء.. إن هذا يتنافى مع عدل الله تبارك وتعالى في قوله:
{ولا تزر وازرة وزر أخرى} فاطر 18.
إن كل إنسان يحاسب عما فعله فقط.. ولا يحاسب عما فعله أبواه.. أو جداه أو أولاده.. لأن الانسان لا يحمل الا حسناته أو معاصيه.. ومن هنا كان يمكن أن يكون آدم قد عاش في جنة الخلد.. ثم طرد منها لأنه قد عصى. وتحملنا نحن نتيجة المعصية.. وورثناها وعذبنا بها بأن طردنا من الجنة، لأنه لو لم يعص آدم لعشنا نحن في الجنة.. نقول لهؤلاء أن هذا يتنافى مع عدل الله الذي يأبى أن تورث المعصية.
ولكن لماذا جعل الله سبحانه وتعالى إقامة آدم وحواء بعد خلقهما في جنة؟
نقول: إن لذلك حكمة.. فآدم خلق ليتلقى المنهج من الله.. افعل لا تفعل.. وهذا المنهج فيه صلاح الحياة على الأرض.. فما قال عنه الله سبحانه وتعالى إفعل.. إن لم تفعله فسدت الأرض، وما قال عنه لا تفعل.. إن فعلته فسدت الأرض.
إن الله تبارك وتعالى.. وضع آدم وحواء في هذه الجنة ليأخذا تجربة عملية عن تطبيق منهج الله.. وليأخذا تحذيرا عمليا.. عن مهمة الشيطان في إفساد منهج الله.. لأن مهمة الشيطان أن يدفع آدم وذريته ليفعلا ما نهاهما الله ألا يفعلاه.
وألا يفعلا ما أمرهما الله جل جلاله بفعله.. فإن قال الله لهما لا تشربا الخمر.. سيزين لهما شرب الخمر، وإن قال الله لهما الله أقيما الصلاة.. زين الشيطان لهما ترك الصلاة.. وهكذا.
لقد كانت التجربة بسيطة في أدائها.. عظيمة في مدلولها.. كانت عمليا لآدم عليه السلام.. على ما سيحدث له إذا أطاع الله.. وعلى ما سيحدث له إذا أطاع الشيطان.. وهكذا جاء الله سبحانه وتعالى بآدم.. ووفر له كل مقومات الحياة في مكان اسماه الجنة.. فقال جل جلاله لآدم:{ وياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا منها حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} الأعراف 19.
أول مناهج السماء
الحق سبحانه وتعالى بيّن لآدم الميزات التي سيحصل عليها في هذا المكان الذي سيقيم فيه.. فقال جل جلاله:
{إنّ لك ألا تجوع وفيها ولا تعرى وأنّك لا تظمؤا فيها ولا تضحى} طه 118ـ119.
أي في هذه الجنة طعام يكفيك وكساء يسترك.. وماء تجده دائما فلا يصيبك الظمأ.. وليس فيها تعب.. ثمار هذه الجنة مباح لك.. بل كل ما فيها مباح لك.. ما عدا شجرة واحدة لا تقترب منها..ولا تأكل من ثمارها.
إن هذا هو منهج الله في الأرض.. إنه جل جلاله يبيح لنا الكثير جدا.. ويحرم علينا أقل القليل.. وحذر الله سبحانه وتعالى آدم وحواء.. من عدوهما إبليس.. فقال تعالى:
{ فقلنا ياآدم إنّ هذا عدوّ لك ولزوجك فلا يخرجنّكما من الجنة فتشقى} طه 117.
وكان هذا التحذير كافيا. لينتبه الى عداوة إبليس.. فلا يستمع الى وسوسته.. ولا يصدق أكاذيبه.
لقد وفر الحق جل جلاله لآدم كل مقومات الحياة من غذاء.. يعطيه ما يحتاجه جسده بدون فضلات.. فالله سبحانه وتعالى يغذي الجنين في بطن أمه بالقدر الذي ينميه.. ولا تخرج منه فضلات.. لأن الغذاء على قدر النمو.. وكان غذاء آدم في الجنة على قدر نموه.
ويجب أن ننتبه الى أن الجنة التي عاش فيها آدم.. ليست هي جنة الخلد.. لأن الحياة في جنة الخلد لا تأتي الا بعد الحياة الدنيا.. فهي جزاء لاتباع منهج الله في الدنيا.. وأنها ليست سابقة للحياة الدنيا.. ولكنها لاحقة لها وتأتي بعدها.
إذن فالجنة التي عاش فيها آدم.. وهي مكان فيه كل ما تحتاجه وما تتطلبه.. ولا بد أن نلاحظ.. أن الله سبحانه وتعالى.. قال لادم وحواء:{ولا تقربا هذه الشجرة..} ولم يقل لهما "ولا تأكلا من هذه الشجرة" .. لماذا؟.. لأن الله يريد أن يحمي آدم وذريته من إغراء المعصية.. فلو أن الله جل جلاله قال:لا تأكلا.. لكان أباح لآدم وحواء أن يقتربا من الشجرة.. ويجلسا الى جوارها.. ويتأملا ثمارها.. وحينئذ كان يغريهما شكل الثمار.. أو لونها أو رائحتها فيأكلان منها..
لكن الحق تبارك وتعالى؛ أراد أن يحمي آدم من نفسه.. ومن الاغراء الذي يمكن أن يتعرض له.. وقد لا تقوى نفسه عليه.. هذه الحماية التي أراد الله أن يوفرها لآدم وذريته من بعده.. هي الحماية الحقيقية من الوقوع في المعصية.. لأنك إذا قتربت من شيء حرّمه الله.. تكيل نفسك اليه.. وربما دفعك هذا القرب الى إقترافه.
ونلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى.. يطلب منا ألا نقترب من قمم المعاصي فيقول:
{ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه، وأحلت لكم الأنعام الا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور}. الحج30.
ولم بقل تبارك وتعالى لا تعبدوا الأوثان.. فلو قالها لكان مباحا لنا أن نذهب الى الأماكن التي تعبد فيها الأصنام وأن نجلس فيها.. فإذا فعلنا ذلك.. ربما أوقعنا هذا الجلوس والعياذ بالله في عبادة الأصنام.. وكذلك اقرأ قول الحق جل جلاله:
{إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} المائدة 90.
أي لا تقربوا أماكنه.. والغريب أنك تجد بعض الناس يحاول أن يجادلك في أن الله سبحانه وتعالى لم يحرم الخمر.. ويقول لك: ائتني بآية من القرآن الكريم يقول فيها تبارك وتعالى حرمت عليكم الخمر.
ونقول لأمثال هؤلاء المشككين: إن الأمر الذي ورد بالاجتناب أقوى من التحريم.. فلو أن الله جل جلاله قال: حرمت عليكم الخمر.. لكان المحرم فقط هو شرب الخمر.. وكنا في هذه الحالة نصنعها ونتاجر فيها.. ونعد الأماكن التي يتم فيها تناولها.. ونخدم شاربيها ونجلس معهم. فما دمنا لا نشرب الخمر.. وما دام قد نزل فيها أمر تحريم فقط .. فلنا أن نفعل كل هذا.. ولكن الاجتناب حرم أن نقترب أساسا من الأماكن التي يتناولون فيها الخمر.. أو نصنعها أو نتاجر فيها أو نجالس الذين يشربونها.. فالاجتناب أقوى من التحريم.. ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى طلب من آدم وزوجته ألا يقتربا من الشجرة المحرمة.. والا يكونا قد ظلما نفسيهما.
بداية المعصية
ماذا فعل الشيطان؟.. إنه يريد أن يوقع آدم وحواء في المعصية.. فماذا فعل؟.. يقول الحق سبحانه وتعالى:
{فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما} الأعراف 20.
قول الحق سبحانه وتعالى "وسوس" .. تدل على أن الحديث دار همسا بصوت خافت.. والوسوسة هي إغواء الشيطان.. وهي إغراء بارتكاب الشر، والذي يتحدث ويأمر بالخير لا يهمه أن يكون حديثه بصوت عال.. ولكن الحديث في الشر والغواية لا يتم الا همسا بصوت خافت .
والوسوسة باللغة العربية.. هي صوت رنين الذهب والحلي.. وهو صوت يجذب الناس ويغريهم ويلفت نظرهم، والوسوسة لا بد أن يكون فيها إغراء.. لأنك إذا أردت أن تخرج الناس عن منهج الله لا بد أن تغريهم بمتعة دنيوية سيفوزون بها.
إننا لا بد أن نتوقف عند قوله تعالى:{ فوسوس لهما الشيطان..} لأن الشائع أن الشيطان أغوى حواء.. وأن حواء هي التي أغوت آدم.. وزينت له المعصية حتى أكل من الشجرة.. وأنه لولا حواء لبقي آدم في الجنة!
نقول: أن الله سبحانه وتعالى برأ حواء من هذه الفرية.. فقوله تعالى:{فوسوس لهم الشيطان} دليل على أن الشيطان.. هو الذي زيّن المعصية لآدم كما زينها لحواء.. أي ان الشيطان هو الذي قام باغواء آدم وحواء.. ولم تقم حواء بإغواء آدم على المعصية.. والغواية جاءت من الشيطان للإثنين معا..
ولكن ما الهدف من هذه الوسوسة؟.. هدفه أن يعصي آدم وحواء ربهما.. فيعاقبا كما عوقب الشيطان بالطرد من رحمة الله.. والعقوبة هنا هي أن تظهر سوءات آدم وحواء.. والسوءة هي ما يسوؤك النظر اليه.. أو هي العورة.. لأن الفطرة تجعل الانسان يخجل من أن يظهر عورته على الناس.
وقبل أن يأكل آدم وحواء من الشجرة لم ير أحدهما عورة الآخر.. ولا عورة نفسه... فلا آدم رأى عورته ولا عورة حواء.. وكذلك حواء لم ترى عورتها ولا عورة آدم.. كلاهما ستره الله عن الآخر.
لقد أتعب العلماء أنفسهم في كيف كانتا عورتها آدم وحواء مستورين عنهما؟. قال بعضهم: كان عليهما اللباس.. وقال آخرون: أن أظافر آدم وحواء كانت طويلة.. حتى كانت تصل الى قدميهما.. وكانت هي التي تستر العورة.. ثم زالت هذه الأظافر بالمعصية.
ولكن ذلك لا يجب أن يشغلنا.. فالله سبحانه وتعلى.. كان يستر عورتي آدم وحواء. بما شاء من انواع الستر.. بنور قوي من عنده.. فالنور إذا كان قويا فلا تستطيع أن ترى الأشياء من خلاله.. فإن النور في ضعفه نميز به الأشياء.. وفي قوته يخفيها عنا.. وسواء ستر الله سبحانه وتعالى عورتي آدم وحواء بثوب أو بأظافر.. أو بنور من عنده.. فالمهم أن هذه العورات كانت مستورة من أعينهما.
وظهرت عورة الانسان
والسؤال لماذا نستاء عندما تظهر عوراتنا؟.. إن العورات هي مكان خروج فضلات الطاعم والشراب.. إننا نحرص على كشف أماكن دخول الطعام والشراب كالفم مثلا.. ونحرص حرصا شديدا في نفس الوقت.. على عدم إظهار أماكن خروج فضلات الطعام والشراب.
يقول بعض العلماء في تعليل لك: إن العورة تذكرنا بمعصية الله.. فعندما حدثت المعصية ظهرت العورة.. ولذلك فنحن نريد أن نسترها.. لأنها رمز للمعصية.. والمعصية عورة يحاول الانسان دائما أن يخفيها ويخجل منها.. يحرص ألا يراه الناس، والرجل مع زوجته يحرص على أن لا يراه أحد.. ويحتاط لذلك أشد الاحتياط.. الانسان عندما يكون معه مال حلال.. يخرجه أمام كل الناس.. ولا يخشى شيئا.. والانسان ومعه مال مسروق يحاول أن يخفيه عن الدنيا كلها.. فالمعصية في كل أحوالها عورة يحرص الناس على إخفائها وسترها.
ولكن كيف تم إغواء الشيطان لآدم وحواء؟.. كيف أوقعهما في المعصية؟
اقرأ قول الحق جل جلاله:
{وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين}.الأعرف 20.
جاء الشيطان لهما من جهة ما تريده النفس البشرية وتتمناه.. وهو حياة خالدة لا تنتهي ولا تزول.. وملك دائم لا ينفد.. ولذلك فإن الشيطان حين أراد أن يغري آدم وحواء بأن لا ياكلا من الشجرة قال لآدم كما يروي لنا القرآن الكريم:
{هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} طه 120.
والشيطان كاذب فيما يقول.. فلو كانت هذه شجرة الخلد فعلا لأكل منها الشيطان نفسه وأصبح خالدا لا يموت.. ولكنه طلب من الله أن يبقيه الى يوم القيامة.. لأنه يعلم يقينا أن الله هو خالق الحياة.. وأنه وحده الذي يبقيها أو يذهبها..
ولا بد أن ننتبه الى طريقة اغواء الشيطان.. إنه يحاول إغواء الانسان.. بأن منهج الله سبحانه وتعالى يضره ولا ينفعه.. وان النفع الحقيقي هو في المعصية.. لهذا قال لآدم وحواء.. إن الله منعهما من الأكل من هذه الشجرة.. حتى لا يكون لهما الملك والخلود.. والانسان يكره الفقر ويكره الموت.. ويريد أن يبقى خالدا.. ولذلك جاء لهما الشيطان ليقول لهما: إذا أردتما الخلد والملك.. فأمامكما هذه الشجرة.. وحلف لهما كما يروي القرآن الكريم:
{وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} الأعراف 21.
أي أقسم لهما أنه يريد لهما النصح.. وصدّقا القسم.. صدقا الشيطان في أنه يريد لهما الخير.. ولذلك عاتب الله سبحانه وتعالى.. آدم وحواء بأنهما صدقا قسم إبليس.. مع أنه جل جلاله قد بيّن لهما أن إبليس عدو لهما لا يريد لهما الخير.. وذلك في قوله تعالى:
{ وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} الأعراف 22.
ولكن آدم وحواء هما اللذان أحسا بالندم الشديد.. ما كانا يعتقدان أن خلقا من خلق الله يقسم بالله على باطل.. ولذلك قال قتادة رضي الله عنه: المؤمن بالله يخدع.. أي إذا دخلت على مؤمن بالله سهل لك خداعه.
وكان سيدنا عبدالله بن عمر: عندما يحسن أحد عبيده الصلاة يعتقه.. فكان العبيد إذا رأوه بدأوا يصلون بخشوع.. فقال له الناس: غن العبيد يخدعوك لتعتقهم.. فقال لهم عبدالله بن عمر: من خدعنا بالله انخدعنا له.
الحق سبحانه وتعالى يقول:
{ فدلاهما بغرور، فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} الأعرف 22.
لفظ "دل" مأخوذ من دلى حبل الدلو في البئر ليبحث عن الماء.. والغرور هو الاغراء الذي يوقع الانسان في المخالفة.
وهنا لنا وقفة.. لا يظن احد أن إبليس أوقع آدم وحواء.. في المعصية على مرحلة واحدة.. بل سبق ذلك مراحل.. فإبليس خدعهما أولا ليقتربا من الشجرة، ثم زيّن لهما ثمارها وحلاوتها ولونها ورائحتها، ثم بعد ذلك أغراهما بالأكل! أي أن المعصية تمت على مراحل ولم تتم دفعة واحدة.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" تعرض الفتن على القلوب عودا عودا كالحصير".. لذلك لا بد لنا أن ننتبه.. أن الاقتراب من المعصية يوقعنا فيها.
ماذا حدث؟.. هل كرر آدم وحواء المعصية.. وأكلا مرات ومرات من الشجرة؟.. الحق تبارك وتعالى يقول:{ فلما ذاقا الشجرة..} أي بمجرد التذوق.. ولم يكن هناك إصرار على تكرار المعصية.. إنه بمجرّد التذوق ظهرت لهما عوراتهما فقاما بإخفائها أو مداراتها.. بورق أشجار الجنة.. ومعنى ذلك إنهما احتاجا الى أكثر من ورقة ليداريا العورة..
وهنا نرى عدل الله سبحانه وتعالى في أنه حذرهما أولا من المخالفة.. وأبلغهما بالجزاء أو العقاب.. حتى يكون العقاب عدلا وحقا.. ولذلك فإن التشريع الالهي لا يوجد فيه ما يسمى بالقوانين بأثر رجعي.. فلا تجريم في العدل الالهي إلا بنص.. والنص هو نهي لآدم وحواء.. أن يقربا هذه الشجرة.. وأن الشيطان عدو لهما.. وقول الحق {ألم أنهكما عن تلك الشجرة} الأعراف 22. بصيغة الاستفهام..معناه أنه لا يوجد الا جواب واحد.. نعم يا رب نهيتنا.
لقد كان الهدف من هذه التجربة العملية من الله سبحانه وتعالى.. ليحصن آدم وحواء وذريتهما من الشيطان.. فيعرفا أنه كاذب في كل ما يعد به.. وأنه يريد بهما السوء.. ولو تظاهر بأنه يريد لهما الخير.. وأن مهمة الشيطان أن يستخدم كل الحيل.. لاغراء آدم وذريته على المعصية.. وأن يستخدم كل الحيل لايقاع آدم وذريته فيما نهى الله عنه.
ولكن هل انتهت المعركة؟.. إنها لم تنته.. ولكنها استمرت وستستمر الى أن تقوم الساعة.
محمد شحاتة
__._,_.___