جمعية الموظفين لها ثلاث صور
1- صورها :
جمعية الموظفين لها ثلاث صور :
الصورة الأولى : أن يتفق عدد من الأشخاص على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً من المال متساوياً عند نهاية كل شهر أو كل شهرين أو كل سنة حسب ما يتفقون عليه .
الصورة الثانية : أن يتفق عدد من الأشخاص على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً من المال متساوياً عند نهاية كل شهر أو شهرين مع اشتراط ألا ينسحب أحد منهم حتى تنتهي الدورة – يعني حتى يدور عليهم الأخذ - .
الصورة الثالثة : كالصورة الثانية أن يتفق عدد من الأشخاص على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً من المال متساوياً يأخذه أحدهم عند نهاية كل شهر أو شهرين حتى تنتهي أكثر من دورة ؛ دورتان أو ثلاث …إلخ .
حكم الصورة الأولى :
هذه الصورة أشار إليها العلماء رحمهم الله ، وممن أشار إليها أبو زرعة الرازي وهو من أئمة المحدِّثين وأشار إلى جوازها .
لما وجدت هذه الصورة الآن وكثر تعامل الناس بها اختلف فيها المتأخرون في جوازها هل هي جائزة أو ليست جائزة ؛ على قولين :
القول الأول : أنها معاملة جائزة ولا بأس بها ، وهذا قال به أكثر المتأخرين ، وممن قال به من المتأخرين : الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، وكان الشيخ رحمه الله – أذكر أن الشيخ محمد بن عثيمين يقول : كان الشيخ – يرى التحريم ثم راجعته فيها ثم رجع إلى الجواز .
وكذلك ممن قال به : الشيخ محمد بن عثيمين وقد انتصر لها كثيراً وفي بعض كلامه أنها من الأعمال المندوبة لما سيأتي من أنها تفك حاجات المحتاجين وأنها تغني كثيراً من الناس عن الالتجاء إلى البنوك الربوية وغير ذلك ولما فيها من التعاون على البر والتقوى ، وكذلك الشيخ عبد الله بن جبرين وغالب أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة يرون أن هذه المعاملة جائزة ولا بأس بها .
القول الثاني : أنها محرمة ولا تجوز ، ومن أشهر من قال بهذا الشيخ صالح الفوزان ، وكذلك الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة الآن .
أدلة القول الأول : وهو الجواز :
1- قالوا : إن هذا العقد من العقود التي جاءت الشريعة بجوازه ، لأن حقيقة هذا العقد هو : قرض فيه إرفاق بالمقترض حيث إن المقترض يأخذ القرض ويرد مثله ولا زيادة عليه ، يعني هو يأخذ – مثلاً – ألفاً أو ألفين أو خمسة آلاف ثم يردها وليس هناك زيادة عليه ، فهذا قرض لا يخرج عن القرض المعتاد إلا أن الفرق بينه وبين القرض المعتاد أن الإقراض في الجمعية يشترك فيه أكثر من شخص والقرض المعتاد يكون بين شخص وآخر .
2- كذلك أيضاً استدلوا بالأصل ، وأن الأصل في مثل هذه الأشياء الحل ، فالأصل في المعاملات الحل ، وقد ذكرنا هذا في الضابط الأول من الضوابط التي تدور عليها المعاملات .
3- وكذلك أيضاً قالوا : في هذا تعاون على البر والتقوى ؛ فمثلاً هذه الجمعية طريق لسد حاجة المحتاجين وإعانة لهم على البعد عن البنوك الربوية والمعاملات المحرمة كالربا ونحو ذلك .
4- كذلك أيضاً استدلوا بأن المنفعة التي تحصل للمقرض في هذه الجمعية لا تنقص المقترض ، يعني قد يقال : بأن المقرض فد انتفع لكنهم يقولون : أن المقرض وإن حصل له شيء من الانتفاع إلا أن هذه المنفعة لا تنقص المقترض ولا يحصل له ضرر بل الانتفاع متبادل بين المقرض والمقترض ؛ كل منهم ينفع الآخر ، مع أنه سيأتي – إن شاء الله – ما المراد بالمنفعة التي نصَّ الصحابة على أنها ربا ؟ يعني ما المراد بـ" كل قرض جر نفعاً فهو ربا " ؟ ما المراد بهذه المنفعة التي إذا كانت في القرض فهي من الربا كما ورد عن الصحابة – هذا سيأتي بيانه إن شاء الله - . وأن ما قد يحصل للمقرض مقابل قرضه من الانتفاع أنه ليس داخلاً في هذه المنفعة التي حكم عليها الصحابة رضي الله تعالى عنهم بأنها ربا .
أدلة القول الثاني : وهو التحريم :
1- قالوا : القرض في هذه الجمعية قرض مشروط فيه القرض من الآخر فهو قرض جرَّ نفعاً ، وكل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا ، هذا خلاصة الدليل ، فهذا يزيد يقرض عمراً ؛ لم يقرضه إلا بشرط أن يقرضه هو ، فهذا قرض جرَّ نفعاً .
يبقى ما هو الدليل على أن القرض الذي جرَّ نفعاً محرم ولا يجوز :
أما من السنة فقد ورد في ذلك أحاديث ؛ حديثان أو ثلاثة وكلها لا تثبت ، من ذلك ما يُروى عن النَّبيّ r أنه قال : " كل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا " ، هذا لا يثبت عن النَّبيّ r ، وكذلك أيضاً استدلوا بما يُروى عن النَّبيّ r أنه قال : " إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدى له أو حمله على دابة فلا يركبها ولا يقبلها إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك " هذا أيضاً أخرجه ابن ماجه وهو ضعيف لا يثبت .
لكن القرض الذي جرَّ نفعاً ورد تحريمه عن جماهير الصحابة رضي الله عنهم :
فمن ذلك ما ورد عن فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه أنه قال : " كل قرض جرَّ منفعة فهو ربا " أخرجه البيهقي في سننه .
وكذلك أيضاً في صحيح البخاري أن عبد الله بن سلام قال لأبي بردة رضي الله عنهما : إنك في أرض الربا فيها فاش إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو شعير أو قَتٍّ فلا تقبل " .
وكذلك أيضاً ورد نحو هذا عن عمر رضي الله عنه وعن ابن عمر وأبي هريرة وابن مسعود وأنس وابن عباس رضي الله عنهم ، فجماهير الصحابة يرون أن المنفعة التي يفيد منها المقرض أنها محرمة وأنها من الربا . وقد ورد عن ابن عمر أنه قال : " من أسلف سلفاً فلا يشترط إلا قضاءه " أخرجه مالك في الموطأ وإسناده صحيح .
فتلخص أن تحريم المنفعة للمقرض وارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
لكن ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم إجازة بعض المنافع للمقرض ؛ وحينئذ يحتاج إلى ضبط المنفعة التي تكون محرمة .
فالصحابة رضي الله تعالى عنهم أجازوا السفتجة كما ورد عن الحسن وعلي بن أبي طالب والزبير وغيرهم من الصحابة ، والسفتجة : هي أن تقرض شخصاً مالاً في بلد فيعطيك إياه في بلد آخر ، فهنا المقرض استفاد أمن الطريق فالخطر الذي قد يحصل له أثناء السفر قد زال ، فقد يكون المكان بعيداً فهو بحاجة أن يحفظ المال وقد يضيع عليه فمنفعة الحفظ والسلامة مما قد يحصل له من خطر إلى آخره ؛ هذا قد زال .
وكذلك أيضاً أجاز العلماء بعض المنافع للمقرض فقالوا : لا بأس أن يقرض الشخص فلاحه دراهم لكي يقوم الفلاح بشراء الآلات والبذور ويعمل في أرض المقرض ، فأنت مثلاً ساقيت زيداً من الناس أو زارعته على أن يعمل في أرضك ولم يكن معه دراهم فلا بأس أن تقرضه ويقوم بالعمل في أرضك مع أنك تستفيد الآن أو مثلاً تقرضه ويقوم بالعمل في بيتك فأنت الآن تستفيد ، فهذا القرض أجازه العلماء رحمهم الله .