ما يبنى على المواعدة غير الملزمة بين الطرفين .
الصورة الثانية : وهي ما يبنى على المواعدة غير الملزمة بين الطرفين .
وهذه الصورة يقسمها العلماء إلى قسمين :
القسم الأول : أن يكون هناك ذكر مقدم للربح .
القسم الثاني : ألا يكون هناك ذكر مقدم للربح .
مثالها : أن يأتي العميل إلى المصرف ( البنك ) – ويطلب منه – والغالب أن العميل الذي يأتي إلى البنك إنما يريد قرضاً ولا يريد السلعة – فيأتي إلى المصرف ويتفق معه على أن يبحث العميل على سلعة ؛ والغالب أن هذه السلعة تكون سيارة – ويقوم المصرف بشراء هذه السلعة . والمصرف دائماً يكون واجداً ؛ فيشتري هذه السلعة بدراهم حاضرة ثم يقوم ببيعها على العميل بثمن مؤجل ، فالمصرف يشتري هذه السيارة مثلاً بخمسين ألف ريال ثم يقوم ببيعها بثمن مؤجل بستين أو ثمانين ألف ريال حسب ما يتفقان عليه دون أن يكون هناك إلزام من المصرف للعميل بشراء هذه السلعة .
وهذه الصورة تكلم عليها العلماء قديماًَ فتكلم عليها الشافعي في " كتاب الأم " فقال ما نصه : إذا أُري الرجل السلعة فقال : اشترها وأُربحك فيها كذا فاشتراها الرجل فالشراء جائز ، والذي قال : أُربحك – يعني الآمر بالشراء وهو العميل كما في صورتنا – فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعاًَ وإن شاء تركها ، ثم قال : - وهكذا إن قال : اشتر لي متاعاًَ ووصفه له فكل هذا سواء ، يعني أن الشافعي يرى جواز مثل هذه الصورة ، لو قال : اذهب واشتر لي هذه السلعة وأنا أربحك فيها ، ليس معه دراهم لكن سيشتريها بثمن مؤجل لأنه لو كان معه دراهم لم يقل : اشتر لي هذه السلعة ولا اشتراها بنفسه ، فيأمر هذا الشخص أن يشتري له هذه السلعة أو يصف له سلعة يشتريها له ، ثم بعد ذلك يقوم بشرائها منه بثمن مؤجل ويربحه في ذلك .
وهذه أيضاًَ نصَّ عليها الحنفية فابن عابدين رحمه الله في حاشيته على رد المحتار نصَّ عليها وأنها جائزة .
وكذلك ابن رشد من المالكية نصَّ على جوازها ، ويذكرها المالكية رحمهم الله تحت مباحث بيع العينة ، وكذلك أيضاًَ ابن القيِّم نصَّ عليها في " إعلام الموقعين " .
حكمها :
1- مذهب الحنفية والمالكية والشافعية وأكثر المتأخرين حتى أنني قرأت كلاماً لرفيق المصري وهو ممن بحث في هذه المسألة فقال : " ليس فيها خلاف معتبر " ، يعني أن أكثر المتأخرين الآن ؛ أكثر المجامع الفقهية ذهبت إلى جواز مثل هذه المعاملة ما دام أنه لم يكن هناك إلزام ، انتفت المحاذير التي ذكرها الجمهور في الصورة الأولى إذا كان هناك إلزام ، يعني لا يكون هناك بيع للسلعة قبل قبضها ولا يكون هناك بيع للسلعة قبل أن يملكها المصرف ، فالآن المصرف اشترى السلعة ثم بعد ذلك يعقد للعميل ، فالمصرف يخاطر بشراء هذه السلعة لنفسه ثم بعد ذلك إن أراد العميل أن يشتريها اشتراها وإن أراد أن يتركها تركها ، وكون الإنسان يشتري السلعة لنفسه ويخاطر في ذلك إن اشتراها هذا العميل فله ذلك وإن لم يشتري هذا العميل فلا يلزمه شيء ، قالوا : الأصل في ذلك أنه جائز ، والأصل – كما تقدَّم – في العقود الحل .
وممن أفتى بجوازها الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله والشيخ بكر أبو زيد والشيخ عبدالله المنيع وأكثر المتأخرين .
والشيخ بكر أبو زيد لما مال إلى جواز مثل هذه المعاملة ذكر لها ثلاثة ضوابط :
الضابط الأول : خلوها من الالتزام الذي يكون في الصورة الأولى ، فإذا لم يكن هناك التزام لا من قبيل المكاتبة ولا من قبيل المشافهة فإن هذا جائز .
الضابط الثاني : خلوها من ضمان العميل للسلعة وإنما يكون ضمان السلعة على المصرف لأنه الذي يقوم بشراء هذه السلعة وتملكها فيكون ضمانها عليه لو حصل عليها تلف أو عيب أو نقص قبل أن يشتريها العميل منه ، فلو اشترط المصرف على العميل أن يكون ضامناً لها فإن هذا محرم ولا يجوز .
الضابط الثالث : أن يقوم المصرف ببيعها على العميل بعد أن يقبضها فإذا اشترى المصرف السلعة وقبضها ثم بعد ذلك باعها على العميل فإن هذا جائز ولا بأس به .
وهذه الشروط يقول بها الجمهور لأن من قال بجواز هذه المعاملة يشترط ألا يكون هناك إلزام ، فإذا كان هناك إلزام للعميل بشرائها فإنها داخلة في الصورة الأولى ، والصورة الأولى : الجمهور على تحريمها .
وأيضاً لا يكون هناك ضمان إذ لو كان هناك ضمان على العميل لكان العميل ملزماً بها .
وكذلك أيضاًَ القبض .
ب – قول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله وهو تحريم هذه المعاملة حتى ولو لم يكن فيها إلزام .
وعلته في ذلك يقول : بأنها حيلة على الربا ، فالأصل أن المصرف يقرض ستين ألفاً بثمانين ألفاً ، فبدلاً من ذلك يُصار إلى هذه السلعة فيقول المصرف للعميل : اذهب وابحث عن سيارة وأنا أشتريها ثم بعد ذلك أبيعها عليك . العميل لا يريد السيارة وإنما يريد النقود فيشتريها المصرف بستين حاضرة ويأخذها العميل وقد اشترى السيارة بثمانين مؤجلة ، فأصبحت دراهم بدراهم بينهما سيارة أو بينهما سلعة .
ويقول الشيخ : لابد أن يكون المصرف مالكاً للسلعة ، يعني قبل أن يأتيه الناس يشتري سلعاً فإذا اشترى السلعة لا بأس أن يبيع على الناس بثمن مؤجل ، أما كونه يتفق مع العميل على أن المصرف يذهب ويشتري له سلعة ثم بعد ذلك يبيعه إياها ، يقول : إن هذه حيلة على الربا .
وأيضاً استدل في فتواه بالنهي عن بيع العينة ، وشيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن التورُّق الذي أجازه الأئمة الأربعة – وهو ( أي التورُّق ) : أن يشتري الإنسان سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها على غير من اشتراها منه بأقل من ثمنها نقداً ، فيشتري السيارة من زيد بثمانين ألف ريال مؤجلة ثم يذهب ويبيعها على عمرو بستين ألف ريال نقداً.
هذا التورُّق يرى شيخ الإسلام ابن تيمية تحريمه وأنه داخل في بيع العينة .
فيقول الشيخ رحمه الله : إذا كان الشارع نهى عن بيع العينة وجعله محرماً فإن بيع العينة مفاده دراهم بدراهم بينهما سلعة ، ونظير هذا هذه المعاملة دراهم بدراهم بيتهما سلعة .
س : ما رأي الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الصورة غير الملزمة إذا كان العميل يريد السلعة لذاتها ولا يقصد بيعها ؟ [1]
ج : الشيخ يرى التحريم مطلقاً ، فالشيخ يقول : سواء أراد الزبون العميل السلعة لكي يبيعها ويأخذ الثمن أو لكي يستعملها ، فالشيخ يرى أن ذلك محرم مطلقاً .
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كأنه يشير إلى التفريق ، وكلامه يحتاج إلى إعادة قراءة مرة أخرى ، فكأنه يفرِّق بين المسألتين ، يفرِّق بين مسألة العميل إذا أراد السلعة لأجل الدراهم وإذا أرادها لكي يستعملها .
الترجيح :
يظهر والله أعلم أن الأحوط للإنسان والأبرأ أن يترك التعامل إلا إذا كان المصرف مالكاً للسلعة .
وما ذكره الشيخ محمد رحمه الله من أنها تحيل على الربا هذا قوي ، ولهذا بعض البنوك يقول لك : هل تريد معاملة شرعية أو معاملة غير شرعية ؟ كيف المعاملة الشرعية والمعاملة غير الشرعية ؟
يقول لك : المعاملة الشرعية نشتري لك السلعة ، وغير الشرعية نعطيك مباشرة ستين بثمانين ، فظاهر أن المسألة تحيل على الربا .