بيع التقسيط
المعاملات المالية المعاصرة
أولاً : بيع التقسيط :
1- تعريفه : هو بيع بثمن مؤجل يدفع إلى البائع على شكل أقساط .
2- مثاله : زيد من الناس يبيع سيارته بعشرة آلاف ريال ؛ كل شهر ألف ريال ، هذا يسمى بيع التقسيط .
* تنبيه : الأصل في البيوع أن الثمن يكون حالاً ، ولهذا العلماء رحمهم الله يجعلون حلول الثمن من الشروط في البيوع التي يقتضيها العقد ، يعني أنت لست بحاجة إذا بعت سلعة أن تقول : بشرط أن يكون الثمن حالاً ، حتى ولو لم تشترط هذا فالعقد يقتضي أن يكون الثمن حالاً ، فلو اشترط أن يكون الثمن حالاً فهذا بيان وتأكيد فقط وإلا فالأصل إذا جرت المعاملة أن الثمن يكون حالاً كما أن المشتري يتسلم السلعة فكذلك أيضاً البائع يتسلم الثمن ، لكن لو اختار البائع أن يكون ثمنه مؤجلاً أو أن يكون ثمنه مقسطاً فهذا موضع خلاف وهذا الذي يراد بحثه .
3- اختلاف العلماء في حكمه :
كما أسلفنا أن شرط حلول الثمن يقتضيه العقد ، والبائع ليس بحاجة إلى أن يشترطه لكن لو حصل ذلك واتفقا على أن يكون الثمن مقسطاً فهذا موضع خلاف بين أهل العلم :
أ – جماهير أهل العلم أن البيع بالتقسيط جائز ولا بأس به ، فيصح أن يبيع الإنسان سلعته مقسطة كما أنه يصح له أن يبيعها بسعر حال ؛ يعني إذا باعها بثمنٍ مؤجل وهذا الثمن يكون على آجال يتفق عليها المتعاقدان فإن هذا جائز ؛ وسواء كان الثمن مساوياً للسلعة أو أنه زيد في الثمن من أجل الأجل أو أنه نقص من الثمن وهذا نادر .
واستدلوا على ذلك بما تقدم من الأصول ، فالأصل في المعاملات الحل كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )[1] ، والأصل في الشروط في العقود الحل فإذا اتفقا على هذا الشرط وهو أن يكون الثمن مقسطاً فالأصل في ذلك الحل لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )[2] ، والأمر بإيفاء العقد يتضمن الأمر بإيفاء أصله ووصفه ؛ ومن وصفه الشرط فيه .
ومن أدلتهم أيضاً قالوا : هذا مقتضى العدل يعني لو كان هناك زيادة في الثمن فكما أنه تأخر عليه قبض الثمن والإفادة منه فله أن يقابل ضرر التأخير بزيادة الثمن .
ومن أدلتهم أيضاً : عقد السلم ففي حديث ابن عباس أن النَّبيّ r قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال النَّبيّ r : " من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " ، والسلم : دفع الثمن وتأخير المثمن ؛ وهذا في الغالب يكون في المثمن زيادة لأن المسلم يدفع الثمن ويأخذ سلعاً بعد مدة ، الغالب أن هذه السلع تكون أرخص من قيمتها الآن ويكون فيها زيادة .
هذا ما عليه جماهير أهل العلم رحمهم الله بل حُكي الإجماع على ذلك .
ب – قول بعض أهل العلم كعلي بن الحسين ونقله الشوكاني في " نيل الأوطار " عن بعض العلماء أن هذا غير جائز ، يعني : أن يكون هناك زيادة في الثمن مقابل التأجيل ؛ يعني : لو أنه باعه السيارة بثمن مؤجل وزاد فيه مقابل التأجيل فقالوا : هذا لا يجوز .
تعليلهم : قالوا : لأن هذا هو الربا ، فالزيادة عوض عن التأجيل وهذا هو الربا ؛ إذ إن الربا في الجاهلية أنه إذا لم يسدد من عليه الدين فإنه يؤخره في الأجل ويزيد في الدين ، فقالوا : الزيادة هنا الآن حصلت مقابل التأجيل في ربا الجاهلية ، فكذلك أيضاً هنا حصلت الزيادة في مقابل التأجيل ، فقالوا : بأنه لا يجوز .
جـ- الترجيح والجواب عن أدلة القائلين بالمنع :
والجواب عن دليل القائلين بعدم الجواز سهل ؛ ففرق بين ربا الجاهلية وبين هذه المعاملة ، فربا الجاهلية فيه الظلم وأكل أموال الناس بالباطل لأنه الآن لا يجد ما يسدد فيُظلم بأن يُزاد عليه ، أما هنا فلا ظلم لأنه الآن دخل على بينة واختيار ؛ بل هو – كما تقدم – مقتضى العدل ، فإن البائع يفوته الإفادة من هذا المال فيأخذ على ذلك الزيادة .
وعليه يكون الأقرب ما ذهب إليه جماهير أهل العلم رحمهم الله .
4- صور بيع التقسيط :
أ- الحلول والأجل : يعني يقول : أبيعك السيارة بعشرة آلاف ريال حالَّة أو بعشرين ألف ريال مؤجلة لسنة أو سنتين .
وهذه المعاملة جائزة لكن يشترط أن يكون ذلك عند المساومة ولابد من الجزم بأحد العقدين قبل التفرُّق ؛ يعني لا يتركه يقول : بعت السيارة عليك بعشرة آلاف حالَّة أو بعشرين ألفاً مؤجلة ؛ إن أتيت بالدراهم وإلا فهي بعشرين ألفاً .
فلابد من الجزم بأحد العقدين إما أن تكون بعشرة آلاف حالَّة أو بعشرين ألفاً مؤجلة .
ب – الأجلان أو الآجال : يعني يقول : بعتك السيارة مؤجلة لمدة سنة بعشرة آلاف ريال ولمدة سنتين بعشرين ألف ريال ، ولمدة ثلاث سنوات بثلاثين ألف ريال وهكذا .
وهذا جائز ولا بأس به لكن كما أسلفت هذا إنما يكون عند المساومة أما في غير المساومة فلابد من الجزم بأحد الثمنين .
جـ- اشتراط الزيادة عند التأخير : يقول : بعتك السيارة بعشرة آلاف ريال فإن تأخرت عن التسديد لمدة شهر زدتك مائة فإن تأخرت شهرين زدتك مائتين وهكذا ، فهذا محرم ولا يجوز لأن هذا هو ربا الجاهلية .
تتمة : تكلم ابن القيِّم رحمه الله في كتابه " تهذيب السنن " على حديث عبد الله بن عمرو أن النَّبيّ r قال : " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا بيع ما ليس عندك " فذكر خلاف العلماء في المراد بالشرطين في البيع :
1- فقال بعض العلماء : إن المراد بالشرطين في البيع هو الحلول والأجل أو الأجلان ، يعني يقول : بعتك نقداً بكذا أو مؤجلاً بكذا .
أو الأجلان : بعتك السيارة مؤجلة إلى كذا بكذا ؛ ومؤجلة إلى كذا بكذا يعني : إلى شهر بكذا وإلى شهرين بكذا .
2- أن المراد بالشرطين اللذين نهى عنهما النَّبيّ r هما شرطا المنفعة ؛ يعني : أن يشترط شرطين من شروط الانتفاع في المبيع أو البائع ، فمثلاً يقول : بعتك السيارة بشرط أن أستعملها لمدة شهر وبشرط أن تقوم بغسلها ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد .
3- أن المراد هو اشتراط شرطين مطلقاً سواءً كانا شرطي منفعة أو شرطي مصلحة أو شرطي صفة .
4- وهو الذي ذهب إليه ابن القيِّم أن المراد بالشرطين اللذين نهى عنهما النَّبيّ r هما بيع العينة ، وعليه إذا قال : بعتك السيارة حالَّة بكذا أو مؤجلة بكذا فهذا جائز أو قال : بعتك السيارة مؤجلة بكذا أو بأجل آخر بكذا فإن هذا جائز ، لكن قلنا : إنه لابد أن يقطع بأحد الأجلين قبل التفرق .