خطاب الضمان ( الكفالات المصرفية )
عاشراً : خطاب الضمان ( الكفالات المصرفية ) :
تعريف الضمان : الضمان في اللغة : مأخوذ من الضمن وهو الضم .
وأما في اصطلاح الفقهاء : فإنه التزام ما وجب أو ما قد يجب على غيره مع بقائه .
مثال " ما وجب " : زيد أقرض عمراً ألف ريال أو باع عليه سيارة بثمن مؤجل ، فالآن وجب عليه الألف ووجب عليه ثمن السيارة ، ثم بعد ذلك طالبه المقرض بضمين أو البائع طالبه بمن يضمنه فجاء شخص وضمنه .
مثال " قد يجب " : كأن يقول : بع عليه السيارة وأنا أضمنه ، فحتى الآن لم يجب .
وقولهم في التعريف " مع بقائه " يعني : كون الضامن يضمن المضمون للمضمون له ، ذمة المضمون لا تزال مشغولة ، يعني : كونه يشاركه في إشغال ذمته ؛ هذا لا يلزم ولا يترتب عليه براءة ذمة المضمون عنه .
والضمان من عقود الإرفاق والإحسان وقد دلَّ عليه القرآن والسنة وإجماع العلماء .
وأما السنة فقول النَّبيّ r في سنن أبي داود وغيره : " الزعيم غارم " .
والإجماع قائم على ذلك .
تعريف خطاب الضمان :
خطاب الضمان الذي تصدره المصارف أو ما يسمى بالكفالات المصرفية : هو عبارة عن تعهد كتابي بناء على طلب العميل ؛ يلتزم فيه المصرف لصالح العميل في مواجهة شخص ثالث بدفع مبلغ معين في وقت معين .
أقسام خطابات الضمان :
أولاً : من حيث الغطاء :
المراد بالغطاء : هو ما يدفعه العميل للمصرف عندما يطلب خطاب الضمان من نقود أو أوراق مالية أو غير ذلك على وجه التوثيق .
خطاب الضمان من حيث الغطاء ينقسم إلى قسمين :
1- أن يكون الغطاء كاملاً : وذلك أن يمثل الغطاء مائة بالمائة من قيمة الضمان .
مثاله : أن يطلب العميل خطاب ضمان بمليون ريال ويكون قد دفع للمصرف غطاء مليون ريال ، فهذا غطاء كامل ، وقد يدفع أسهماً أو وثائق عقارات ونحو ذلك ؛ المهم أن يكون الغطاء مساوياً لما طلبه العميل من المصرف أو يكون أكثر .
2- أن يكون الغطاء جزئياً : وهو غطاء لبعض قيمة الضمان .
مثاله : أن يطلب العميل من المصرف مائة ألف ريال ويعطي المصرف خمسين ألف ريال أو أسهماً بقيمة خمسين ألف ريال …إلخ .
ثانياً : من حيث الشكل :
وينقسم إلى قسمين :
1- خطاب ضمان ابتدائي : وهو تعهد من المتقدم للمناقصة مثلاً ، يدل على جديته واستمراريته وعدم انسحابه .
2- خطاب ضمان نهائي : وهو تعهد يقدمه المتقدم لقيامه بتنفيذ العملية وفق الشروط المتفق عليها .
فائدة خطاب الضمان :
أصحاب الشركات يلجأون إلى المصارف لأخذ خطابات الضمان وتقديمها :
أ- عند طرح المناقصات الحكومية ؛ حيث يتقدم أصحاب رؤوس الأموال والشركات عند طرح مناقصات أو مزايدات حكومية للدخول فيها ، ولكي تضمن الحكومة استمرار العميل في هذه المناقصة تطالبه بأموال ضماناً ، وبدلاً من أن يضع نقوداً تحجز عليه ولا يستفيد منها لمدة معينة ؛ بحيث إنه إذا لم يتمكن من هذه المناقصة يأخذ فترة طويلة لكي يخلِّص هذه النقود ، فبدلاً من أن يدفع هذه النقود وتحجز عليه ولا يستفيد منها فترة طويلة ؛ يتقدم بخطاب الضمان فيذهب إلى المصرف والمصرف يعطيه خطاب ضمان بأنه ضامن لهذا الشخص بمبلغ كذا وكذا – المبلغ الذي تطالبه به الحكومة - .
ب – في عقود التوريد حيث يحتاج التاجر أن يورِّد كذا وكذا من البضائع ، فأصحاب المصانع والشركات يطالبونه بخطابات الضمان هذه لكي يرجعوا بالثمن على البنوك ؛ فيذهب هذا التاجر إلى المصرف ويأخذ منهم خطاب ضمان يقدمه لمن طلبه من أصحاب المصانع أو الشركات .
تكييف خطابات الضمان وما ينبني على ذلك :
اختلف المتأخرون في تكييف خطابات الضمان على ثلاثة آراء ،وهي على سبيل الإجمال :
الرأي الأول : أنه عقد كفالة ، وذهب إلى ذلك كثير من الباحثين .
التعليل : لأن الكفالة هي التزام دين للغير ، وهذا موجود في خطابات الضمان ، فالمصرف يلتزم الدين الذي يكون على التاجر أو من يريد أن يدخل في المناقصة للغير إما للحكومة أو لصاحب المصنع أو الشركة …إلخ .
حكمه : بناء على تخريجه بأنه عقد كفالة فإنه لا يجوز .
التعليل : 1- لأن المصارف ستأخذ عمولة على هذه الكفالة ، وأخذ الأجرة على الكفالة لا يجوز ، قال بعض العلماء : لأن الكفالة من الأمور التعبدية ، وقال بعضهم : لأن الكفالة مما يُراد بها الإرفاق والإحسان ؛ وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز أخذ الأجرة على خطاب الضمان .
2- لأن حقيقة الكفالة أنها دين على المكفول المدين ، فإذا ردَّه مع الزيادة فهذا هو الربا ، حيث إن المصرف سيدفع إلى صاحب المصنع …إلخ ، وسيأخذ على ذلك زيادة .
الرأي الثاني : أنه عقد وكالة .
التعليل : لأن الوكالة : هي إقامة الغير مقام النفس في تصرف جائز معلوم ، وهذا موجود في خطاب الضمان ، فالعميل يوكِّل المصرف في تصرف معلوم جائز ؛ وهو أن يسدِّد عنه إذا لم يسدِّد هذه الضمانات أو لم يقم بهذه العملية ونحو ذلك .
حكمه : جائز .
التعليل : لأن أخذ الأجرة على الوكالة جائز ، فالزيادة التي يأخذها المصرف من العميل بعد تسديد ما وجب عليه هي أجرة على الوكالة ، وهذا فيه نظر ظاهر .
الرأي الثالث : وهو ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي ، فقالوا : خطاب الضمان ينقسم إلى قسمين :
1- أن يكون مغطَّى تغطية كاملة : يعني أن العميل أخذ خطاباًَ بمائة ألف ريال ووضع مائة ألف ريال .
تخريجه : فقالوا : هذا من قبيل الوكالة .
حكمه : أنه جائز لما سبق في الرأي الثاني .
2- ألا يكون هناك غطاء أو أن يكون مغطَّى تغطية غير كاملة .
تخريجه : قالوا : هذا من قبيل الكفالة .
حكمه : لا يجوز لما تقدم في الرأي الأول .
وأما اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد فمنعوا منه مطلقاً حتى ولو غُطي تغطية كاملة .
تعليلهم : لأن هذا الغطاء الذي دفعه العميل للمصرف رهن ؛ والمصرف سيقوم باستعمال هذا الرهن وهو ليس مركوباً ولا محلوباً ، والذي يجوز للمرتهن أن يستخدمه هو ما يتعلق بالظهر إذا كان مركوباً فيركبه بنفقته ؛ والحيوان إذا كان يشرب لبنه فإنه يشرب لبنه بالنفقة .
فقالوا : هذا من قبيل استعمال الرهن من قبل المرتهن ولا يجوز له ذلك خصوصاً إذا كان سبب الرهن القرض لأنه يكون داخلاً في منافع القروض المحرمة ؛ وهذا ليس مما جاء الشرع بإباحته .
الترجيح :
لعل ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي أقرب لوجود الحاجة فإنه كما ذكرت قد يصعب على المناقص أن يدفع أمواله ثم بعد ذلك يحتاج إلى تخليصها ؛ وهذا يستمر إلى فترة طويلة وذلك يمنعه من الإفادة من هذه الأموال .